ورغم أن أمازون أو سوق. كوم لم تفصحا عن القيمة الفعلية للصفقة إلا أن “CB Insights”قيمت سوق. كوم آنذاك بنحو مليار دولار بعد نجاحها فى جمع 275 مليون دولار من المستثمرين فى عام واحد ، مما جعلها منافس حقيقى لأمازون
مسار استحواذ العملاق الأمريكى أمازون على “سوق. كوم” ، يكشف بوضوح كيف تتعامل الشركات الكبرى مع منافسيها الإقليميين فى مجال التجارة الإلكترونية ، خصوصا فى الأسواق الواعدة مثل منطقة الشرق الأوسط ، فهناك خياران لا ثالث لهما : إما أن تكون جزءا من الشركة الأم أو تتعرض لسياسات الإضعاف والتحجيم غير المرئية، فى سوق يبلغ مستوى نموه سنويا نحو 30% بفعل الصعود المستمر للنزعة الاستهلاكية
“جوميا” و” نون ” استطاعا خلال سنوات قليلة الفوز بحصة لا بأس بها من مجال التسوق الإلكترونى فى مصر والشرق الأوسط ، وبدأت جوميا من وسط وغرب أفريقيا باستثمارات ألمانية بهدف تقديم نسخة من أمازون لأفريقيا ، واستطاعت خلال وقت قليل نسبيا التمدد خارج نيجيريا – بلد التأسيس- لتعمل فى العديد من البلاد الأفريقية ومصر وشمال أفريقيا، بفضل سياسات التخفيض الحقيقية واستخدام شركة شحن كبرى ” أرامكس” بتكاليف زهيدة مع ضمان الوصول خلال 6 أيام وضمان سياسة الرد أو رفض المنتج والدفع عند الاستلام كاش أو بواسطة الفيزا كارد، والأهم عدم فرض رسوم جمركية
هذه المرونة والتسهيلات الكبيرة دفعت جوميا إلى اكتساب أرض جديدة كل يوم ، مقابل التزام أمازون بالمعايير الأمريكية المعممة فى كل المناطق الإقليمية ، ومنها استخدام شركة الشحن التابعة (Amazon Shipping)، مع طول الفترة التى تصل فيها السلعة 25 يوما ، وضرورة دفع قيمة التخليص الجمركى 25% من قيمة المنتج تقريبا ، مع ضرورة السداد ببطاقة الائتمان قبل إرسال المنتج ، وصعوبة الوصول إلى الدعم الفني والاستجابة البطيئة للشكاوى فى خدمة العملاء بحسب بعض المتعاملين
إلا أن هذه المميزات التى تبدو لصالح جوميا ، تواجهها أمازون باستراتيجية الحلم الأمريكى ، فإذا كانت جوميا تعتمد على المنتجات الصينية رخيصة الثمن ، فإن أمازون تقدم طيفا هائلا من المنتجات شديدة التنوع وعالية الجودة الذى يضمن لها تقدما مستمرا ، ودفع جوميا إلى منطقة محددة من العملاء لا تستطيع تجاوزها ، هم مستهلكو المنتجات المنخفضة الثمن وغير المهتمين بالبراندات العالمية ، فى الوقت الذى تقدم فيه أمازون عروضا على بعض المنتجات لا يمكن رفضها
ما يحدث مع جوميا، ينطبق على ” نون .كوم” الذى استطاع الفوز بموضع قدم بين أكبر المتاجر الإلكترونية فى الشرق الأوسط والخليج من خلال سياسات الشحن السريع جدا فى مصر والخليج (24 ساعة)، وتقديم عروض الشحن المجانى على المنتجات وكوبونات الخصم بصورة دورية، بالإضافة إلى العمل وفق خطة طموحة للتوسع ، بحسب محللين اقتصاديين، من خلال الوصول بحجم استثماراته إلى 70 مليار حتى عام 2032، بما يضمن له الفوز بنحو 15% من إجمالى التعاملات فى التجارة الإلكترونية فى مصر والخليج وبلدان بالشرق الأوسط.
ورغم سهولة وسرعة الشحن من “نون .كوم” فى مصر والخليج ، إلا أن التعدد الهائل فى المنتجات وكثرة البرندات التى تعرضها أمازون ، والفهم الكبير لطبيعة النزعة الاستهلاكية فى الخليج ، تحيط “نون .كوم” بأسوار عالية تحول دون توسعها أو تحقيقها نسب نمو متسارعة وعالية وثابتة ، خاصة مع تذبذب مستوى التعامل فى خدمة العملاء وشكاوى بعض مستخدمي نون دوت كوم من عمليات الإستبدال والاسترجاع التي يحدث الكثير من المماطلة، وعدم رد الأموال التي تم سحبها من البطاقات البنكية عند الاسترجاع مع عدم القدرة على الحصول على فاتورة مشتريات مختومة
السنوات القليلة المقبلة ، ربما قد تفصح عن خيارات مختلفة فى سوق التجارة الإلكترونية بالشرق الأوسط ، منها استمرار سيطرة أمازون على النسبة الأكبر من السوق مع ترك جزر منعزلة لكل من جوميا و نون ، أو استحواذ أمازون على جوميا أو نون ، أو قدرة جوميا أو نون الحصول على استثمارات كبيرة وتقديم سياسات أكثر مرونة فى خدمة العملاء وسياسات الاسترجاع وتنوع المنتجات بما يمكنها من اقتطاع نسبة من التعاملات التى تصب فى اتجاه أمازون ، وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة فى سوق مزدهر وواع بنسبة نمو مرتفعة رغم الأزمة المالية التى تعصف بالعالم