القمح من أقدم النباتات المزروعة في العالم، فقد بدأ زراعته قبل حوالي 10 آلاف سنة في منطقة الشرق الأوسط تحديدًا في عمان عاصمة الأردن، وانتشرت بعدها زراعته في مختلف أنحاء العالم، يعد القمح أكثر الأغذية أهمية لما يزيد على ثلث سكان العالم نظراً لأنه يدخل في عمل معظم الوجبات بصورة أو بأخرى، إذ يؤكل القمح بدرجة رئيسية في الخبز والأطعمة الأخرى التي تُحضَّر من دقيق القمح، كما أنّ الناس يأكلون القمح أيضًا في المعكرونة والإسباجتي، والصور الأخرى من دقيق المعكرونة وفي حبوب وجبات الإفطار.
دقيق القمح ممتاز في الخبز لأنه يحتوي على مادة بروتينية تسمى الجلوتين تجعل العجين مرنًا، مما يسمح للعجين المحتوي على الخميرة بالانتفاخ، وتستخدم نسبة كبيرة من دقيق القمح الذي يطحن في الدول الصناعية بوساطة المخابز التجارية لإنتاج الخبز والفطائر والكعك والشباتي والقطايف والقرصان والأصناف الأخرى، بالإضافة إلى أن دقيق القمح والمعجنات المحتوية عليه تباع أيضاً لاستخدامها في المنازل.
ولإنتاج دقيق القمح يقوم أصحاب المطاحن بطحن حبوب القمح إلى مسحوق ناعم. وحبوب القمح غنية بالمواد الغذائية التي تشمل البروتين والنشا وفيتامين هـ، وفيتامينات ب، والنياسين والريبوفلافين والثيامين، كما أن الحبوب تحتوي أيضًا على معادن أساسية مثل الحديد والفوسفور.
يُصنع دقيق القمح الكامل من كلّ الحبة، ولهذا فإنه يحتوي على المواد الغذائية الموجودة في كل أجزائها، ولإنتاج دقيق أبيض، يقوم أصحاب المطاحن بطحن الجزء الرخو الأبيض الداخلي من الحبوب فقط الذي يطلق عليه السويداء (الإندوسبيرم) وهو الذي يحتوي على الجلوتين وجميع النشا تقريبًا الموجود في الحبَّة. والدقيق الأبيض يفتقر إلى الفيتامينات والمعادن التي توجد في النخالة؛ أي الغلاف القوي الذي يكسو الحبة والجرثومة أو الجنين (مرحلة ما قبل التطور). وفي الولايات المتحدة، وكندا وعدد من الدول الأخرى يضيف الطحّانون والخبّازون فيتامينات ب والحديد إلى معظم الدقيق الأبيض لرفع قيمته الغذائية، ويسمى الدقيق المدعم. الباستا: يعد القمح المكوّن الرئيسي في المعكرونة، والإسباجتي، والأشكال الأخرى من الباستا. وتصنع معظم الباسْتا من السِّيمولينا، وهي حبوب قمح المعكرونة خشنة الطحن. ويُضيف صُنّاع منتجات الباستا ماء ومكونات أخرى إلى السيمولينا لتكوين قوام عَجيني سميك أو عجينة، ثم يضغطون هذه العجينة بقوّة خلال آلات تُشَكِّلها إلى معكرونة، وشعرية، وإسباجتي، وأشكال أخرى.
أغذية الإفطار. تُصنع كثير من أغذية الإفطار من القمح. وحبوب الإفطار الجاهزة التي تحتوي قمحًا تشمل: رقائق النخالة والقمح المنفوخ والبسكويت ورقائق القمح. أما حبوب الإفطار المطبوخة التي تُصنع من القمح فتشمل: كسرات القمح، والحبوب المملتة (حبوب منبتة بالنقع في الماء) والقمح الملفوف، وجريش القمح الكامل.
تطورعملية الطحن
• استعمل السكان الأوائل القمح لصناعة الخبز الذي صُنع بالبدء من خليط ذرات القمح الخشنة مع الماء، وقد طور الإنسان القديم مع مرور الزمن طريقةً لسحق حبوب القمح الخشنة للحصول على ذرات ناعمة عندما تخلط مع الماء تعطي خبز أفضل (الخبز القديم كان يسبب مشاكل للأسنان وللمعدة أثناء الهضم) طَحْن الطحين قديماً عبر وضع حبات القمح بين الأحجار أَو العجلات الصلبة وكان نادراً ما يخلوا بيت من أحجار الرحى ثم عبر مرور الزمن قام الإنسان بصنع مطاحن كبيرة مخصصة لأهل المدينة أو البلدة الواحدة (100 ق م) وكانت عملية تدوير حجار الرحى تتم باستخدام العبيد أو البهائم أو بقوة المياه ولم تطور صناعة الطحين منذ ذلك الوقت حتى اكتشاف المطاحن الهوائية التي تعتمد على قوة الرياح لدفع عجلات الطحن (1000 م) مما زاد في جودة ونعومة ذرات الطحين ولكن التطور الحقيقي حدث منذ اكتشاف المحرك البخاري وازدياد اعتماد الإنسان على الآلات الميكانيكية في الصناعة الحديثة فقام بصنع المطاحن الضخمة التي تعطي كميات كبيرة من الطحين وبجودة لم تكن متوفرة قبلاً (ذرات أنعم، رطوبة أقل، وقت وجهد أقل).
• المخترع الأمريكي ومركب الطواحين البخارية أوليفير إيفانس أول من قام بتَطبيق مكننة الطحن في (1785 م) وحتى أن إيفانس هو الذي أعطى الإذن بإجراء التحسينات على طاحونتِه إلى توماس جيفرسون في (1808 م) وبحلول (الـ1870 م) تَطلّبت الطواحين أقل مِن ثلاث عمال لإنجاز عملية الطحن.
الأمن الغذائي
ومع تحسين التقنيات الزراعية وتطور الإنتاجية، فإن الدول تسعى اليوم إلى تحقيق الأمن الغذائي وزيادة الإنتاجية والجودة وتنويع المنتجات، وهذا يتطلب العمل على تطوير الزراعة واستخدام التقنيات المتطورة وتوفير الدعم والمساعدة للمزارعين والمنتجين، كانت قضية الأمن الغذائي حاسمة في الكثير من دول العالم سواء عربي أم أجنبي حيث تواجه الشعوب في الكثير من البلاد أزمة غذائية والتي يكون لها تأثير سلبي على اقتصاد تلك الدول، بما جعل ضمان الأمن الغذائي يمثل تحديًا عالميًا ذو أبعاد كثيرة، وقد وقد ورد تعريف الأمن الغذائي من قبل مؤتمر القمة العالمي للأغذية لعام 1996م بأنه “قائم عندما يتاح لجميع الناس في جميع الأوقات الحصول على أغذية كافية ومأمونة ومغذية للحفاظ على حياة صحية ونشيطة”.
لذلك ينبغي أن يكون الهدف الأول والأخير للأمن الغذائي في كافة مناطق العالم وبشكل خاص العالم العربي ودول العالم الثالث هو ضمان حصول الناس جميعاً في كافة الأوقات على ما يحتاجون إليه من غذاء سواء كان اقتصادي أو مادي، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، يوجد أربعة ركائز للأمن الغذائي وهي الاستقرار، الاستخدام ، التوافر، والوصول، ومن أجل تحقيق الأمن الغذائي، يجب العمل على زيادة الإنتاجية الزراعية، وتحسين نظام الإنتاج والتوزيع وتقليل هدر الغذاء، بالإضافة إلى توفير سبل الوصول للمواد الغذائية بأسعار معقولة للأفراد والأسر. ويتطلب ذلك التعاون بين المجتمعات المحلية والمنظمات الإنسانية والحكومات والقطاع الخاص. ولتحقيق هذا الهدف، يجب أن يتم تحسين جودة التربة والمياه، وتوفير السماد والبذور والأدوات الزراعية المناسبة. كما يجب أيضًا تشجيع الابتكار والتكنولوجيا الحديثة في الزراعة والتوزيع والتخزين والنقل. وبهذه الطريقة، يمكن تحقيق الأمن الغذائي حول العالم وضمان حياة كريمة للجميع.
حبوب وحروب
من بين الحروب التي شهدت زراعة القمح وحصادها، يمكن ذكر الحرب العالمية الأولى والثانية، حيث كانت الدول تحتاج إلى زيادة الإنتاجية الزراعية لتلبية احتياجات الجيوش والمدنيين، وكان القمح يعتبر من المواد الغذائية الأساسية في تلك الحقبة.
وقد شهدت زراعة القمح وحصاده العديد من الحروب والصراعات عبر التاريخ، فقد كان القمح يعتبر ولا يزال من الموارد الحيوية الأساسية التي تهدف الدول إلى ضمان توفرها واستدامتها للأجيال الحالية والمستقبلية.
وخلال الحرب العالمية الأولى والثانية، كان إنتاج وتوريد القمح يعد أحد أهم أسباب الصراع بين الدول وفي الحرب العالمية الثانية، تعرضت محاصيل القمح في أوروبا إلى دمار هائل بسبب القصف والتدمير، مما أدى إلى نقص حاد في إنتاجية القمح وأزمة غذائية عالمية.
وفي العديد من الحروب التي شهدها العالم، كانت القمح هي المصدر الرئيسي للصراع. ففي الحرب العالمية الأولى، تعرضت الدول الأوروبية لنقص حاد في إنتاج القمح بسبب الحرب، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء واندلاع اضطرابات اجتماعية وسياسية.
وفي حرب العراق الأخيرة، تعرضت مزارع القمح في العراق لأضرار جسيمة بسبب الحرب، مما أدى إلى نقص حاد في إنتاج القمح وارتفاع أسعاره، وتسبب في مشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة.
أوكرانيا وروسيا وتأثيرهم عل مصر
في وقت يشتد النزاع في أوكرانيا بعد الغزو الروسي، قد نجد أنفسنا في صعوبة لتوفير الخبز على طاولة الطعام كون روسيا وأوكرانيا أول موردي القمح بالنسبة لهم، وحذّر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنه “إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح” للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، “قد تؤدي الأزمة إلى تظاهرات جديدة وعدم استقرار في دول عدة.
مصر ثاني أكبر مستورد للقمح من روسيا
وتعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم وثاني أكبر مستورد من روسيا، واشترت 3,5 مليون طن من القمح حتى منتصف يناير، وفقًا لشركة “أس اند أس غلوبال”. وحتى بعد أن بدأت القاهرة في السنوات الأخيرة، بشراء القمح من موردين آخرين، لا سيما من رومانيا، فقد استوردت في عام 2021 50% من القمح من روسيا و30% من أوكرانيا.
ورغم ذلك النزاع أكدت الحكومة أن لديها “مخزونا استراتيجيا يكفي الدولة فترة تقرب من تسعة أشهر” لتغذية 103 مليون نسمة يتلقى 70% منهم خمسة أرغفة خبز مدعومة.
لكنها أضافت “لن نستطيع شراء القمح بالسعر الذي كنا نحصل عليه قبل الأزمة الروسية الأوكرانية”، خصوصا أن أسعار القمح بلغت أعلى مستوى في شيكاغو منذ 14 عامًا، إذ وصلت إلى 344 يورو للطن. وبعد خفض وزن الرغيف المدعوم، تفكر الحكومة الآن في زيادة سعره. في عام 1977، فعل الرئيس أنور السادات ذلك، وعلى الفور اندلعت “انتفاضة الخبز”، ولم تتوقف حتى عاد السعر القديم.
طرق الحد من أزمة القمح في مصر
تواجه مصر حاليًا أزمة قمح، ويمكن للحكومة والمجتمع المحلي والقطاع الخاص أن يلعبوا دورًا هامًا في الحد من هذه الأزمة، يجب تحسين إنتاجية القمح عن طريق تحسين جودة التربة والمياه وتقديم الدعم والتدريب للمزارعين على كيفية زراعة القمح بطريقة فعالة ومستدامة ، يجب تطوير نظام تخزين وتوزيع أفضل للقمح، وذلك عن طريق تحديث وتحسين البنية التحتية لنقل القمح وتوفير تقنيات التبريد والتجميد والتخزين المناسبة، تشجيع الابتكار والتكنولوجيا الحديثة في إنتاج القمح وتوزيعه، مثل استخدام التكنولوجيا الحديثة في الرصد والتحكم في جودة القمح والمحافظة عليها،يجب محاربة الهدر الغذائي من خلال تطوير نظام للتبرع بالقمح وتوزيعه على الفئات الفقيرة والمحتاجة، وأخيرًا، تعزيز الشفافية والتواصل بين الحكومة والمجتمع المحلي والقطاع الخاص، والاستماع إلى آرائهم واقتراحاتهم للعمل على حل أزمة القمح في مصر.